بتاريخ ١٤ / ٣ / ١٤٤١ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)


الملخص:

بِسْم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أما بعد:

[ قاعدة ]

الأصل أن من يعمل خيرًا يلقى خيرًا، ومن يعمل شرًا يلقى شرًا، إلا في حالات شاذة استثنائية.

فلا ينغمس الإنسان في المعاصي على أمل رحمة الله عز وجل، فهو بهذا كمن يجمع صفر زائد صفر ويتوقع أن تكون النتيجة اثنان!، صحيح أنه لا شيء مستحيل على الله عز وجل ولكن هل تستطيع أن تضمن ذلك؟

لا تُسرف على نفسك بالمعصية ولا ترض أن تبقى دائمة في حياتك دون أن تحاول التوبة وتركها..

فساد الأرض حصاد أعمال الناس

يقول الله عز وجل: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

(سورة الروم.٤١)

هذا يعني أن ما يحدث حولنا من مشاكل كونية ما هو إلا “بعض” من عواقب ظهور الفساد، فتلك الحيتان التي تموت في البحر، والاحتباس الحراري وغيرها من المشاكل ما هي إلا حصاد أعمالنا، وإياك أن تعتقد للحظة أن ذنبك عائدٌ عليك فقط، فهو يؤثر على العالم بأكمله!

ولذلك أهلَكَ الله عز وجل حضارات عريقة جدًا امتدت إلى مئات السنين، ونحن هنا لا نعني قوم نوح ولوط وعاد فقط، بل نعني الإغريق والرومان واليونان أيضًا، أهلكهم الله ما بين ليلةٍ وضحاها، فأهون ما يكون على الله عز وجل أن يقلب أمة بعد أن كانت قوية إلى أن تكون في أسفل سافلين؛ بسبب الفساد الذي حصل من ذنوب ومعاصي ارتفعت إلى الله عز وجل من هذا المكان..

عقبات في طريق المعصية :

يقول العلماء:

(إذا كانت الطاعة لها فقه يسمى فقه الطاعة فالمعصية لها فقه أيضًا ويسمى فقه المعصية)

وهذا الفقه ليس تجريئًا للإنسان كي يفعل المعصية وإنما هي قضية أن يكبح الإنسان نفسه قبل وقوعه في المعصية، وهنا سنتدارس ستة عشر نقطة تحول بين الإنسان وبين المعصية، فهي كالسلم أو العقبات التي يضعها الإنسان أمامه كي لا يقع في المعصية.

النقطة الأولى: دافع عن نفسك وارفضها

إذا أردت أن تعصي الله عز وجل، وفي لحظة ضعف غلبك الشيطان في أمرٍ ما، دافع عن نفسك!

لا تستسلم للشيطان وتنهزم له قبل أن تدافع عن نفسك، ولو أحسست بأن كل خلية في جسدك ترغب في هذه المعصية، لا تستسلم بل دافع وجاهد وارفض الانصياع للشيطان، فإن فشلت كل محاولاتك فسوِّفها، فالتسويف هو الخطوة الأولى

وهذا التأجيل هربًا من المعصية سترى نتيجته بأن الله تعالى سيمسح على قلبك تمامًا وستفقد الرغبة في عملها، ويفتح لك باب خيرٍ آخر فيُشغلك بأمر من أمور الدنيا فإذا بالذنب يتلاشى، لذا تذكر ألا تُسلِّم نفسك للمعصية، دافع وجاهد وسوِّف.

النقطة الثانية: اترك الأثقل وافعل الأخف

المعاصي درجات، فشتَّان بين من يسمع الحرام ساعة وبين من يسمعه لساعاتٍ طوال، لذا إياك أن تنغمس في المعصية بل افعلها وأنتَ محتشم، أي افعلها وأنت تكرهها وافعل الذنب الأخف وتجنب الأثقل

النقطة الثالثة: تجنب المعصية المتعدية

بعض المعاصي متعدية، يتعداكَ ذنبها فتأخذ ذنوبك وذنوب غيرك الذين كنت السبب في عملهم للمعصية،  فاجعل ذنوبك تقف عندك ولا تجعلها تنتشر وتزداد فهذا أقرب إلى رحمة الله لك ومغفرته لذنوبك ممن يأتي يوم القيامة وأكتافه محملة بذنوب مئات الناس الذين زيّنَ لهم الذنب أو كان سببًا في عملهم له.

النقطة الرابعة: تجنب المعصية المشتركة

 فبدل أن تعمل المعصية لوحدك في خفاء وعلى استحياء، أنت هكذا تجاهر بالمعصية مع جماعة دون أن ينهى أحدكم الآخر فينكسر الحياء من المعصية وتصبح نوع من المعاندة جماعية لله عز وجل، قال تعالى: (… وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ….. (٢)) سورة المائدة.

النقطة الخامسة: تجنب المعاصي المتسلسلة

المعاصي المتسلسلة هي أن تبدأ بعمل يجُرّك إلى سلسلة من المعاصي، فاحذر من الأمور التي تعرفُ جيدًا أنها ستؤدي لارتكابك لعدد أكبر من الذنوب..

النقطة السادسة: تجنب الأزمنة والأمكنة الفاضلة

 كمكة أو المدينة أو في زمن فاضل كرمضان أو العشرة من ذي الحجة أو الأشهر الحرم أو الإثنين والخميس حين ترفع الأعمال إلى الله عز وجل، أو الفجر أو آخر الليل وقت السحر الذي ينزل الله عز وجل فيه على الناس، فتجنب أن تعصي الله في هذه الأزمنة والأمكنة.

النقطة السابعة: لا تُطِل زمن اقتراف المعصية

ونقول اقتراف لأن الذنب جريمة تقترفها في حق نفسك، فإن لم تستطع أن تُنقذ نفسك منها فلا تُطِلها بمقدمة ثم نهاية، وتذكر أن الملائكة تكتب زمن عملك للمعصية، فشتان بين من يعمل المعصية لساعات ومن يعملها في ربع ساعة على استحياء واحتشام.

النقطة الثامنة: لا تفعل الذنب لمجرد التجربة

  التجربة تؤدي إلى الانزلاق في الذنوب، فالتجربة سهلة ولكن التوقف بعدها يكون صعبًا، وانظر إلى حال المدخنين فمعظمهم بدأ لرغبة في التجربة ثم أدمن عليه وأصبح تركه صعب جدًا، ويقع تأثير هذا على عائلته وأطفاله لاحقًا، وكل هذا هو عاقبة التجربة الأولى.

النقطة التاسعة: لا تفعل الذنب إن لم يكُن قلبك متعلقًا به


  فالثلاثة الذين لا ينظر الله عز وجل إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم هم ملك كذاب وعائلٌ مستكبر وشيخ زان، فالرابط بين هؤلاء الثلاثة أنهم فعلوا ذنبًا لا يتعلق قلبهم به وداعي الشهوة إليه لديهم ضعيف.

النقطة العاشرة: استخف بمعصيتك

  وإذا بُليتم فاستتروا، واحذر من أن تُعلِنه للناس أو أن تصوره وتنشره، لا حفاظًا على صورتك أو كي تُظهر للناس أنك رجل صالح، بل حياءً من الله عز وجل وحياءً من خلقه، وألا تكون سبب في فتنة إنسان آخر، وأن تستخفي بمعصيتك هو أمر مهم جدًا لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)

النقطة الحادية عشر: لا تُزين المعصية لغيرك

  فبهذا تأخذ ذنبك وذنبه في كل مرة يفعله فيها، لأننا أحيانًا نشعر بأن الذنب أخف عندما يفعله الكثير، ولكن الخطأ يبقى خطأ وإن فعله الجميع، فهؤلاء قوم لوط قُلِبَت عليهم القرية رغم أنهم كانوا مشتركين في المعصية جميعًا ما عدا لوط وفئة قليلة معه، فلم تنفعهم كثرتهم.

النقطة الثانية عشر: لا تكُن مُحترِفًا في معصيتك

  إذا أردت أن تعصي فلا تكُن محترفًا في معصيتك، ولا تُكن مهنتك هي الذنب، قال سفيان بن عيينة: (كان محمد بن سوقه لا يحسن أن يعصي الله)، فكان من صفاته أنه لا يستطيع المعصية، تخيل أن أحدهم يملك صوت جميل فتطلب منه أن يتحدث بصوت قبيح، بالطبع لن يستطيع لأن هذه صفة فيه، لذا لا تحترف المعصية وإن كانت هي سبب شهرتك فلا تفعلها ولا تحترفها.

النقطة الثالثة عشر: كُن على وجل وخوف

  إذا أردت أن تعصي الله فافعل ذلك على وجل وخوف منه تعالى، لا تدع إحساسك يموت، هذا الشعور هو في الحقيقة دليل على أن القلب حي يخشى الله تعالى وهذا قد يكون سبب لرحمة الله ومغفرته، فعلى الإنسان أن يحافظ على قلبه ويطمح لأن يترك المعاصي خوفًا من أن يقبض الله روحه وهو على معصية وألا يفعلها بعناد وجرأة على الله عز وجل، قال عمر بن ذر: (يا أهل المعاصي لا تغتروا بحلم الله عليكم واحذروا أسفه فإنه قال: (فلما آسفونا انتقمنا منهم)، فلما آسفونا أي: لما أغضبونا، انتقم الله عز وجل منهم.

النقطة الرابعة عشر: استَقبِح الذنب

  إذا فعلت الذنب فاستقبحه، واشعر بأنه قبيح!

 ففرق كبير بين من يفعل المعصية وهو مدرك لقبحها، ومن يفعلها وهو مستمتع ومستلذ، كمن يقول لمَ حرَّمها الله علينا وهي غذاء للروح ومصدر للسعادة، لم هذا التشدد في الإسلام!

النقطة الخامسة عشر: حافظ على سلامة معتقدك وتوحيدك

المعاصي هي بريد الكفر، فلا يوجد إنسان يدخل للكفر مباشرة بل يستمر في الذنوب حتى يبقى في جدل ويشعر أن هذا الدين لا يناسبه، وأنه يريد أن يُذنِب دون أن يشعر بالذنب، شيئًا فشيئا حتى ينعدم إيمانه.

النقطة السادسة عشر: لا تُحِب العاصين

انتبه لقلبك أن يقع في حب العاصين وإن كنت منهم، بل أحب الطائعين ولو لم تكُن منهم، فهذه المحبة بحد ذاتها تكون عون لك يوم القيامة، فالمرء مع من أحب، ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للرجل الذي سأله عن ماذا قدّم للساعة فقال: إني أحب الله ورسوله فقال له: (أنت مع من أحببت) رواه البخاري

    كل هذه النقاط الستة عشر تعتمد على قلبك، على خوفك من الله تعالى واستقباحك للمعاصي، فإن حرصت على هذه النقاط ستكون أقرب لرحمة الله وهدايته ولذلك عبد الله بن شميت ينقل هذه الكلمة عن أبيه يقول: (كان يقال من رضي بالفسق فهو من أهله ومن رضي أن يعصى الله عز وجل لم يرفع له عمل)

فالمشاعر القلبية مهمة جدًا، فذاك لم يُذنِب وإنما رضي بالذنب، وتلك لم تفعل شيئًا ولكنها لم تستقبح الذنب، والمعاصي لا تقتصر على الإنسان وحده، فقد سألت زينب رضي الله عنها (أنهلك يا رسول الله وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)([رواه البخاري])، فإذا كثُر الخبث وأذنب كل واحد منا لوحده، وارتفعت ذنوبنا إلى السماء، نزلت العقوبة.

أسأل الله أن يجنبني وإياكم هذه المعاصي وأن يغفر لنا إياها ويعفو عنها وأن يباعد بيننا وبينها كما باعد بين المشرق والمغرب ..

هذا والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


* تنويه: مادة المحاضرة جُمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

3 تعليقات

التعليقات مغلقة