بتاريخ ١٣ / ٨ / ١٤٤١ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)


أحيانًا يشعر الإنسان أن الأرض ضاقت عليه بما رحبت !وتشعر أحيانًا أن الأمور تتعسر أو أنه لا تستطيع أن تفهم أمرًا ما بعينه، وتشكل عليك وتزدحم الكيفيات والتفاصيل ولا تعرف أين الحق وأين الباطل..

وأحيانًا يغلق عليك قلبك بلا سبب!

ومهما عملت من عمل صالح هو لا يستقبل إطلاقًا وتشعر حقيقة أن قلبك مغلق. فإذا شعرنا بذلك فليس أمامنا هنا إلا

اسم الله الفتاح

فدعونا نبحر في هذا الاسم ونروي قلوبنا بذكره ونعرف ماذا يترتب على الإيمان بهذا الاسم.

الفتاح: هو كثير الفتح على عباده ما استغلق عليهم من الأمور.

وردَ اسم الله تعالى في قوله: ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتّاح العليم)

هذا الفتح يشمل معنيين اثنين:

١- الفتح بالأحكام: أن الله يفتح يعني يحكم بين عباده فيما هم فيه يختلفون، وهذا الحكم قد يكون دنيويًا وقد يكون أخرويًا.

٢- الفتح بالأقدار: أن الله عز وجل يفتح عليك فهمًا في أمر قد استغلق عليك فيوفقك ويسددك، هذا التوفيق والتسديد هو نوع من أنواع الفتوحات.

نحن نعيش في الدنيا وتحوطنا أسباب الأرض وأسباب البشر فتغلق دوننا هذه الأبواب وتغلق هذه الأسباب فإذا بالله عز وجل الفتاح يفتح علينا ما تغلق من هذه الأسباب.

ماهي هذه المغاليق ؟

١- إغلاق إيماني: هي تلك الحالات التي تمر فينا من لحظات الفتور و لحظات تشعر أنك لا تملك أي طاقة لعمل الخير، لا لشيء إلا أن العزيمة والإرادة غير موجودين، فتشعر أنك ثقيل جدًا أمام عبادة الله عز وجل.

٢- إغلاق نفسي: نوع من الحزن والإحباط واليأس ولا شيء يسعدك.

٣- إغلاق اجتماعي: البعض في علاقاتهم مع الناس لا يوفقون وكل ما بدأ في علاقة زملاء أو أقارب يكون هناك نوع من عدم التوفيق فيقول الكلمة لكنه يجرح، يفعل ولكن فعله غير موفق فينبذ قليلًا إلى أن يشعر أنه إنسان غير مرغوب فيه وغير مرحب به.

٤- إغلاق اقتصادي: قد تشعر أن موازناتك الاقتصادية بالسالب

كل واحد منا قد تقلّ أو تكثر عليه هذه المغاليق, وكل هذه الحالات من الإغلاق تحتاج إلى فتح من الفتاح.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

(إنه ليقف خاطري في الشيء أولًا من المسألة التي تشكل علي، فاستغفر الله مئة مرة أو أكثر حتى ينشرح الصدر وينحل الإشكال وتزول تلك المحنة وأقول ذلك في السوق أو المدرسة أو الدرب لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار حتى أنال مطلوبي).


وقد قال ابن القيم -وهو تلميذ ابن تيمية- قال :

( كان شيخ الإسلام ابن تيميه إذا أعيته المسائل فرّ منها إلى التوبة والاستغفار واللجوء إلى الله والتضرع إليه. وكثيراً ما كان يمرغ جبينه ساجداً في مكان يظن أنه لا يراه أحد ويقول (يا معلم إبراهيم علمني ويا مفهم سليمان فهمني) فهو بذلك يستمطر الفتوح من الله)


فيقول ابن القيم -رحمه الله- :

( فيفتح الله عليه بعد هذا اللجأ والتضرع إلى الله فتنهمر عليه الفتوحات).


ومن المعروف أنه كلما ازددت لله ضعفاً وذُلاً زاد لك توفيقاً ونصراً, ومن امتنع من ذلك حُرم التوفيق والطريق والرفيق, فإذا لديك غمة وأردت ذلك الباب أن يفتح فلا تيأس.

ولكن عليك أن تفهم الدرس كما قال تعالى في كتابه:

(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

لاستمطار فتح الله عزوجل فيما انغلق عليك أن تعرف ثلاثة أسباب:

١-الاستغفار 

٢- الانكسار والافتقار

٣-بذل الجهد في السبب 

أنواع الفتح:

الفتح قد يأتي بالحكم بين الخصوم وبين عباده، وقد يأتي بمعنى الفتح والنصر (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده) ، وقد يأتي بمعنى الفتح بتيسير عسير،

ويفتح الله بصائر المؤمن فيرى الحق حقًا والباطل باطلًا.

هل تظن أن هذا الأمر سهل ؟ بأن ترى الحق حقًا والباطل باطلًا ؟

لو تتخيل الكم من التيه والحيرة التي يشعر بها الكثير أمام المواقف وأمام الأحداث وأمام القرارات الشخصية، هل ما أقوم به صحيح ؟ خاطئ

ولذلك حينما يفتح الله عليك وينور صدرك بالحق فتراه حقًا، ويرزقك اتباعه وترى الباطل باطلًا ويرزقك اجتنابه

فهذا من أنواع الفتوحات التي يجب أن يتضرع الإنسان إلى ربه حتى يرزقه إياها.

ومن الناس قد يُفتح له في قراءة القرآن حفظًا وتدبرًا وتعليمًا، ومنهم من يُتح له بالصيام، بالصدقة، ولذلك

من المهم أن تفتش بحياتك عن

” بماذا فتح الله لك في حياتك؟ ”

فلعل الذي فتح لك في الدنيا هو بابك الذي يفتح لك إلى الجنة، ولذلك يجب أن تعرف ما هو بابك الذي فتح لك به لتلزمه.

 قال النبي عليه الصلاة والسلام : (إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ.)

هذا فتح من الله أن يرزقك أن تكون هيناً ليناً يحبك الناس وتحبهم.

ونوع  من أنواع الفتح وهو لأصحاب الشهامة التي تفزع لأصحاب الكرب والحاجات

قال النبي عليه الصلاة والسلام :

( لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا) .

دعونا نرى الزاوية الأخرى في اسم الله الفتاح والتي تتناول معاني الاستدراج :

مراحل الاستدراج الخمسة:

المرحلة الأولى:

يبدأ بالنسيان (فلما نسوا ما ذكروا به)

ينسى الخير وبيئة الخير و يبدأ بالابتعاد عن كل شيء يذكره بالخير أو حتى ينصحه، ولا يريد أن يعرف أي شيء من الخير، حتى الحلال والحرام!

وفي هذا النسيان يمر فيه أيضا حالات. حالة ينسى ويعرض بمعنى يشعر أنه لا حاجة إلى معرفة الخير ويبدأ يفتش عن العيوب في كل الخير وفي أهل الخير  لماذا يفعل ذلك ؟ ليجد لنفسه مبرر للمرحلة القادمة فينسى.

فإذا نسي وصار عنده هذا الفراغ، يبدأ بتجربة ألوان جديدة من المعاصي ويشعر أنه داخل حياة جديدة وهذه الحياة هي التي تناسبه و ينتمي لها !

فإذا عصا يبدأ يتمرد.. ويبدأ يعاند !

قال السلف : ( ما ضل قوم إلا أوتوا الجدل). فلا يرضى أن يقوم أحد باتهامه بالغلط والخطأ.


المرحلة الثانية من الاستدراج:

الفتح (فتحنا عليهم أبواب كل شي)

 فتحت عليه إغراءات الدنيا بأكملها !

لما يفتح الله عليك من أبواب الدنيا، شهرة، وما لم تحلم بأن تصل إليه يوماً ما !

ربما في البداية عندما يرى هذا الشخص أرزاق الله توالت عليه، ربما كان خائفا لأنه بقيَ فيه وخزة من الضمير ومن الإيمان ويعلم أن الذي يفعله أمر خاطئ لكنه يقاوم هذا الشعور، ولكن لما رأى أن الدنيا انفتحت عليه وأنه لم يعاقب بها.. تمرد!

قال أحد الكُتّاب: قالوا كانوا يُخوفوننـا بالله من الحفلات ومن الأغاني وغيرها، فلما صارت هذه الحفلات أُمطرنا مطرًا لم نمطر مثله قط!

هو يتخيّل أن المطر كرامة من الله عز وجل على عصيانه؟ لكن ما يحصل أن الله يفتح عليهم أبواب كل شيء، فتفتح له الأبواب ويبدأ شياطين الإنس يتلقفونه عن يمينه وعن يسـاره، ويزينون له الطريق، ويفتح الله عز وجل ويمدُّ له من الدنيا مدًا حتى يغرق.


 المرحلة الثالثة:

الفرح {حتى إذا فرحوا بمـا أوتوا}

فأما الوخز، في هذه المرحلة فلم يعُد فيه وخز، وأما الإيمان بعد الآن لم يعُد موجودًا؛ لأنه تعدى مرحلة الوخز ومرحلة تغييـر الجلد إلى أن صار يفرح بذنبه ويفتخر به، ولا يبالي أساسًا  بأحد!


المرحلة الرابعة:

الأخذ {أخذناهم بغتة}

أخذناهم بغتة، لأنّ عذاب وانتقام الله إذا جاء.. جاء بلا مقدمات. لاحظوا: لا يوجد وَ، ثُمّ، فـ، {حتى إذا فرحوا بمـا أوتوا.. أخذناهم}

أخذناهم بغتة: أي: أن الله عز وجل يأخذ هذا الإنسـان بغتة، وهذا ما يسميه العلماء: فجأة النقم، فتنزل فيه نقم الله فجأةً، فتأخذه أخذ عزيـز مقتدر.

ولذلك في لحظة ينتهي كل شيء!

فلا تُجرّب أن تعرض عن الله، فيعرض الله عنك.

وهذه من أشد الآلام، أن الله يُعرض عنك.

ومن تمام العدل كما في الحديث القدسي: (من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)

 فإذا كانت خطوتك هي الإعراض فانتظر جزائك من جنس عملك.


المرحلة الخامسة والأخيرة:

الإبلاس (فإذا هم مبلسون)

معنى الإبلاس هو أقصى الحزن وأقصى الحسرة وأكثر اليأس، وسمي إبليس إبليس؛ لأنه أيس من رحمة الله ويدخل المؤمنين في اليأس من رحمة الله ويحزنهم.

لذلك ما يفتح الله من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك الله عز وجل فلا مرسل لها من بعده.

فكل نعمة يمسك الله معها رحمته فتنقلب هي بذاتها نقمة، وما من نقمه تحفها رحمة الله حتى تكون هي بذاتها نعمة.

يعالج أعسر الأمور برحمة الله فإذا هي يسر، ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت عنه رحمة الله فإذا هي مشقة وعسر!

لذلك هذه الرحمة وهذه الأبواب التي يفتحها الله عز وجل لا تعز على أحد ولا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال.

كيف ندعوا الله عز وجل باسمه الفتاح ؟

ادع اللهم يا فتاح افتح علينا بركات السماء والأرض ولا تبقي شيء من خزائن السماوات والأرض إلا وتسأل الله أن يفتح لك فيها باباً.

إذا دخل المؤمن المسجد يقول (اللهمَّ افْتحْ لي أبوابَ رحمتِك) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشَّرِّ، وإنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للشَّرِّ مغاليقَ للخيرِ، فَطوبى لمن جعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الخيرِ على يدَيهِ، وويلٌ لمن جَعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الشَّرِّ على يديهِ) حسنه الألباني

هناك أناس سباقين هم مفاتيح فإن كانوا مفاتيح للخير فلهم أجرهم وأجر من لحقوا بهم وإن كانوا مفاتيح في الشر فعليهم وزرهم ووزر من لحقوا بهم.

مفاتيح الفتح الإلهي

(١) التقوى:

يُستجلب فتح الله عز وجل بالتقوى، قال الله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)

(٢) الدعاء:

تدعو أن الله يفتح عليك. كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام إذا أصبح، قال: (أصبحْنا وأصبح الملكُ للهِ ربِّ العالمين ، اللهم إني أسألُك خيرَ هذا اليومِ : فتْحَه ، ونصرَه ، ونورَه وبركتَه ، وهداه…)

حسنه الألباني

(٣) صلة الرحم:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (مَن أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.) ينسأ يعني: يبارك ويمتد الأثر ويفتح له الله عز وجل في رزقه فمن أحب أن يكون له ذلك فليصل رحمه.

(٤) الصدقة:

قال رسول الله لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: (أَنفِقِي، ولا تُحْصِي، فيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، ولا تُوعِي، فيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ.)

لا تحسبها مع ربك وتقول أنا أنفقت فعلى الله أن يعيد لي كذا. أنفق بسخاء ثم انتظر فتح الله عليك. وفرق بين إنسان يفعل ذلك وهو يرجو ما عند الله عز وجل وبين من يفعلها وهو لا يرجو فيها إلا مكاسب دنيوية.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.