بتاريخ ٢ / ٣ / ١٤٣٩ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

(كرمًا المحاضرة خاصة بالنساء فقط )


الملخص:

 الأدلة من القرآن والسنة تأخذ الإنسان إلى عالم محاطٍ بالطمأنينة والراحة لأنه يشعر حينما تطرق سمعه أنَّه يعيش في كنف إلهٍ رحيمٍ غفورٍ ودود، اقرأ هذه الأدلة ثم أغمض عينيك لبرهة وتأمّل فيض الرحمات، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (( يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو لقيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة )) ومن الآيات التي تشعر الإنسان بواسع رحمة الله عز وجل وفضله، قول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } قف عند قوله { إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } وأَعِدها مراراً  وتكراراً لتجد أثر الطمأنينة في قلبك حيث الشعور بأن كل الذنوب ستكون مغفورة في كنف الله، وأن نفسَك الضعيفة مغمورة برحمات الله عز وجل وغُفرانه .

وخذ أيضًا قول النبي عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام: ((إن الله عز وجل يبسط يدهُ بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)) فما يشعر الإنسان أنه سيكون مطرود من رحمة الله ولا حتى في لحظة من اللحظات، فأنا وأنت وذاك لا يمكن أن تتجاوز ذنوبنا هاتين الفترتين إما صباحاً أو مساءًا، نذنب ويبسط يده لنتوب.

كما أن هناك أيضا أحاديث من نوع آخر تتجلى فيها الرحمة وتسمو فيها المغفرة كقوله صلى الله عليه وسلم:

((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).

والحسنات لا تقف عند واحدة، بل تضاعف لنا أضعاف وأضعاف، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ}، السؤال المهم الآن: إذا كنّا نعيش بهذه البركات الهائلة من الرّحمة والمغفرة، فلماذا يظل أُناس يدخلون النّار؟ ولماذا لم تغلب سيئاتهم عشرات الحسنات المضاعفة !! ولماذا يظل أُناس بعيدين جداً عن الله ولا يشعرون بلذة الإيمان في داخلِ قلوبِهم؟ هناك أسباب تجعل الإنسان يبتعد عن هذا المطر الهائل من الرحمات …

السبب الأول:

الإحساس بأنّه لا يزال في الحياةِ مُتّسع، أختصرها بكلمة واحدة ” الأمل”.

أحدنا لا يدري متى تنتهي حياته؟ فحياتنا كلها نعيشها بين قوسين، القوس الأول فُتح بمجيئنا لهذه الدنيا، ونحن الآن نسير نحو القوس الثاني لنغلقه، وأحياناً لما ترى في مواقف الناس الذين أُخذوا على حين غرَّة، وقبضت أرواحهم فجأة وبلا سابق إنذار، يشعر الإنسان بأن الموت أقرب مما يتخيّل.

إذاً لا يوجد لدينا أي ضمانات أننا سنعيش تلك الحياة الطويلة، فأين مشكلة الأمل؟

المشكلة هي أنها تجعل الإنسان يقول لنفسه: سأستمتع بشبابي، وسأعيش كما أحب، ويستطيل الحياة وهو لا يعرف أن موته أقرب إليه مما يتخيّل.

يقول الله عز وجل: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}. 

العاصي أو المذنب حين يذنب ويرجف فؤاده خوفاً فهو على خير، فهذه الرجفة تعني أن ضميره مازال على قيد الحياة، وأن هذا الإحساس سيلحقه إلى أن يتركه، لكن المشكلة الحقيقة تكمن حينما يموت الضمير ويهدأ الإحساس، فلا تسمع له همساً ولا ركزاً، فتمضي حياته في غفلة إلى غفلة إلى أن تنتهي.

السبب الثاني:

أن يستسهل الإنسان الوقوع في الذنب.

فيصغر الذنب في عينيه، ويهون في نفسه، فيمارس الذنوب في يومه دونما يشعر بأي شعور، فالذنوب في قاموس حياته هي كبائر الذنوب فقط من قتل أو زنا أو سرقة، فما عدا ذلك فهي ذنوب صغيرة، أمرها يسير، فكأنها لا تسطر في كتاب، ولا يلحقها عقاب، دونك قصة الغلام الذي أصيب هذا الغلام في غزوة خبير بسهم فمات، فصاح الصحابة قائلين: طوبى له فقد مات شهيداً، استبشروا رضوان الله عليهم، فبطبيعة الحال فهو عاش على خير بخدمة النبي عليه الصلاة والسلام في حياته ومات على خير مستشهداً في معركة فيا لها من حياة و يالها من نهاية! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: وما أدراكم؟ لعلّ الشملة التي غلّها – أي أخذها من الغنائم قبل اقتسامها – تشتعل عليه ناراً، فإذا كان هذا صحابي عاش مع النبي عليه الصلاة والسلام ومات في معركة، إذاً فماذا عنّا نحن؟! 

قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((يا عائشة إياكِ ومحقَرَّات الذنوب فإن لها من الله طالباً)) محقرَّات الذنوب: أن يفعل الرجل الذنب فيحتقره، مثلاً: أن تظهر الفتاة طرف رجل من أسفل لأجل التزين بالخلخال وما كانت تظن أن هذي المساحة من الساق ستُسأل عنها، ولا تلك الخصلة التي ظهرت من تحت حجابها، ولا ذلك المعصم المزين بالأساور، ولا حتى ذلك الوجه الجميل الذي كُشف – في حين أنه لم يفتي أي عالم من العلماء بجواز كشف الوجه للمرأة الجميلة وبلا خلاف – الآن كل هذه المحقرات من يضمن بأنها لن تشتعل بها النار!

ومن المواقف النبوية التي تقرر عِظم هذا الأمر هو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لامرأة قالت لولدِها وهو يلعب: ها تعال أعطيك، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: وما أردتِ أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمراً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما إنكِ لو لم تعطيهِ شيئاً كُتبت عليكِ كذبة)) معشر الآباء والأمهات، كم من الكذبات كُتبت ونحن نربّي؟

في ساعة تصفحك في جوالك فقط احسب كم من ذنب يُكتب! إمَّا من حساب زرته أو مقطعٍ شاهدته أو سمعته !

تفكّر في خمس دقائق قضيتها فيما لا يرضي الله عز وجل، كيف ستُحسب، أتحسب كلها ذنب واحد أم على كل دقيقة ذنب أو كل ثانية ذنب أم ماذا !! القضية الآن هي ميزان يزن أعمالك، و  قلب يتغير بأفعالك.

المشكلة في قضية التهاون أن ذلك لا يتوقف فقط على تهاون المرء بالذنب، بل أيضا سهولة الوصول للذنب سبب قوي للتهاون فيه، فتجد أن الذنب يصل إليك وأنت في مكانك، بضغطة زر واحدة فقط! دون أن تقوم من مقامك، ودون أن يعلم بك من بجانبك.

السبب الثالث :

غفلة الإنسان عن عُيوبهِ.

الإنسان مركب أساساً من عيوب موجودة فيه جبلة وطبيعة، فليس هناك بشرٌ كامل بأوصافه، المشكلة تكمن في غفلتنا عن عيوبنا وتعايشنا معها، وفرضها على من هم حولنا، فلا يصبح لدينا أي إحساس في الرغبة بالتغيير.

فدعك من تبرير عيوبك بأنها صفتك وطبيعتك ولا يمكنك تغييرها، فحين تغضب تقول حبل احتمالي قصير، أو لا أستطيع السيطرة على غضبي، كل هذه حجج نبرر فيها عيوبنا فقد قال النبي عليه الصلاة السلام (( ِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ)) وقد يكون بابك إلى الجنة هو تغيير صفة من الصفات التي ظننت يوماً من الأيام أنه ليس بقدرتك تغييرها.

فموضوع العيوب مهم لأن عيوب النفس سرّاقة، فالإنسان لا يسرق فقط من نفسه بل يسرق أيضا من طباع غيره، فمثلاً لو صاحبت جريئًا على الله، يُغامر في كل شيء حتى في الدين، فحتما سيجرّك معه للذنب ويزيّنه في عينك، ويصغرّه في نفسك حتى تقع فيه بلا وعي منك، “فقل لي من تصاحب أقول لك من أنت”.

السبب الرابع:

تهاون الإنسان في أخلاقه.

 قد يجول في عقلك سؤال: لماذا موضوع الخُلق مهم؟

لعلك تجد الجواب في قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنّما بُعثتُ لأُتممَ مكارم الأخْلاق)) 

فيقول أحدُهم معلقاً على هذا الحديث: الدين هو الخلق فمن زاد عليك في خُلقهِ زاد عليك في دينه، فقضية تخلّقك بمحاسن الأخلاق ليست أفضلية زائدة، إنما هو في صميم دينك أن تكون أخلاقك حسنة، وكما أنّ هذه الأخلاق الحسنة لا تأتي من لا شيء، بل تأتي من اعتقاد أنت تعتقده في قلبك، ومن يقين بما عند ربك من جزاء وثواب.

قف قليلا واسأل نفسك سؤالاً في الأخلاق!

هل شعرت في يوم من الأيام أنك تخلّقت بخُلقٍ ما، في موقفٍ ما، وقد سجلته موقفاً بطولياً لك في حياتك؟

كظمت غيظك مثلا، عفوت وأنت قادر على أخذ حقك! أو أحسنت لشخص أساء إليك إساءة موجعة!

نجد أن الهوى متعلق بشكل كبير بمكارم الأخلاق، لأنك حتى تتصف بهذه المكارم يجب عليك مُخالفة هواك، فمثلاً حين تعفو عمن أخطأ عليك، فأنت خالفت هواك بأخذ حقك، وأنت حين تُعطي الناس لن تعطي فقط بل ستعطي بسخاء، فيتوجب علينا حينما نتحلّى بهذه الأخلاق أن نتجرد من جميع الأهواء، ومن حظوظ أنفسنا للحد الذي يشعرنا بأننا نتعامل مع الله لا مع البشر.

السبب الخامس:

أن يحرم الإنسان نفسه من التعلّم، فلا يعطي نفسه فرصة بأن يتعلم متى يغتنم مواطن الرحمات وكيف ينهل من بركاتها؟ فكل معلومة مرّت بك، أو موعظة طرقت سمعك، لو لم تفتح لها في قلبك باباً لمعرفتها والوصول إليها كيف ستطبقها؟

فمثال عليها مما جاء في السنة النبوية كثيرة فخذ مثلاً: ((من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة))، ((ومن قالها مائة مرة غُفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر))، فالآن هذه المعلومات لن يمنعك من ثوابها إلا أن تتعلمها، فإن تعلمتها طبقتها وفزت بثوابها مضاعفاً.

الآن ترى حولك من الناس مَن بلغ عمره الأربعين والخمسين أو جاوز ذلك وهو لا يعرف معنى قوله تعالى: {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أو لا يعرف ماذا يعني قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} وهي في سورة الإخلاص التي نحفظها صغاراً، ومن عرف معناه، لذاب قلبه من هذا المعنى، واستشعره في مواطن حياته كلها، فإن كان في فاقة أو حاجة أو كرب وابتلاء و لجأ إلى الله يدعوه، حتماً سيكون أمام عينه اسم الله {الصَّمَدُ}، إذاً كم من المعاني التي تُشعرك بحلاوة الإيمان و قد فوّت على نفسك حلاوتها ولم تتلذذ بها، فقط لأنك لم تتعلمها !! 

أختم الحديث عن هذه الأسباب بأن أضع بين يديك مجموعة من الخطوات إذا فعتلها تستطيع بإذن الله أن تتغلب على هذه الأسباب الخمسة التي ذكرناها:

الخطوة الأولى: أن تتعلم فلا تبخل على نفسك بالتعليم.

فتجد في الواقع أنّنا لا نبخل على أنفسنا بأي معلومة من معلومات الدنيا تنمّي ذواتنا ويطوّر شخصياتنا، فماذا لو أنّنا نهتم أيضا بالجانب الروحي ولا نبخل على أنفسنا بتعلّم علوم الكتاب والسنة؟! إذاً لتذوّقنا حينها حلاوة هذا الوحي وطراوته في أرواحنا.

إذاً الخطوة الأولى تعلّم وهذا العلم سيزيد من فرصة نجاتك، وهو سلاحك بحياتك

الخطوة الثانية: الوقاية خير من العلاج.

سئل الإمام أحمد: أيهما أحبُ إليك؟ الرجل يُذنب ثم يتوب أم الرجل الذي لا يُذنب، أيهما أفضل؟ فقال الإمام أحمد : لا أعدلُ بالسلامةِ شيء؛ لأنه لا يُذنب إطلاقاً فلا شك أنه أفضل، فهذا الذي يُذنب ثم يتوب ثم يُذنب فيتوب ثم يُذنب فيتوب، كمن كان لديه ثوب فاتسخ ثم غسله، واتسخ أخرى فغسله، ثم اتسخ فغسله, فما حال ثوبه هذا؟ أهو كثوبٍ جديدٍ لم يتسخ ولم يُغسل؟ هل يستويان مثلا؟

فلا تضع نفسك في موطن اختبار بين الذنب والتوبة، فالسلامةُ لا يعدُلها شيء.

فالوقاية هي خير من العلاج، فخذ نفسك بمنأى عن مواطن الذنوب، وانظر إلى الشيء الذي يغرقك بالذنوب فابتعد عنه ولا تذهب إليه، والأمر الذي تعلم أنك لن تستطيع مقاومته احرص على ألّا تضع نفسك بموضع تضعف فيه، ولا تضع قلبك في مكان لن تستطيع فيه حمايته، فالبعض يقترب من الذنب اقتراباً شديداً بحجة الرؤية فقط ولا ينوي أن يفعل، فطالما كانت هذه الذنوب أمام عينيه فلن يقاوم أبداً، فالأسلم أن يغمض عينيه ويبتعد، فكلما ابتعد عنه زادت مقاومته.

فهذه الحكمة “الوقاية خير من العلاج” ليست حصراً في الصحة الجسدية فقط بل مدلولها كبير ويدخل فيه ضمان صحة القلب والروح والنفس من كل ما قد يلحق بها الضرر من الذنوب والآثام، فلا تختر أن تذنب ثم تعالج نفسك بالتوبة، بل إن استطعت ألّا تذنب أصلاً وتحفظ قلبك نقياً ونفسك زكيةً فافعل.

الخطوة الثالثة: اشغل نفسك بالحق تنشغل عن الباطل.

فأنت عندما تُشغل نفسَك بالحق وتعمر وقتك بالخير والعمل الصالح لن يكون لديك وقت لممارسة الباطل، ولا يخطر على بالك حتى مجرد خاطره؛ لأن ذهنك مشغول عنه مملوء بغيره، ولأن قلبك ووقتك معمور بالخير، وعمران الوقت بالخير من العمر المبارك، كان أحد السلف يلازمه هذا الوصف عند ذكره فيقال عنه: كان عمره معموراً بالخير، لاحظوا كلمة (معمور)، هذه الصفة نادرًا ما يوصف بها إنسان.

أشغل نفسك بالحق ولا تتركها تموج في وحل الفراغ، لأن مغريات الحياة كثيرة، وبمجرد فراغك في لحظة من اللحظات سيتخطفك الناس من حولك، كلٌ يدعوك إلى ما تملأ به فراغك، وقد تملأ هذا الفراغ بأشياء وأمور مُباحة، لكن هذا الشيء المباح والإكثار منه ككثرة الأكل والنوم وكثرة الاجتماعات والزيارات و ما شابه تجعل القلب يتعلق بالدنيا، وتفوِّت عليك الكثير من الفرص والأمور النافعة والجيدة التي ممكن أن تملأ بها حياتك.

اشترك في أي برنامج نافع، وإن استطعت أن تشترك في اثنين فاشترك، وإن استطعت في ثلاثة فاجعلها ثلاثة واعمر حياتك وقلبك بهذا الخير، املأ فراغك، كُن مشغول لكن مشغول في طاعةِ الله.

فاحذر هنا أن تلبي دعوة الشيطان، وأن تجيب على هتافاته واقتراحاته حال فراغك، وتذكيره المستمر لك بنصيبك من الدنيا وبحق نفسك عليك، وكأنما لو زاحمت نفسك بالطاعة لن تكون لديك حياة، فحياتك الحقيقية هي التي تقضي بها أيامك هنا وأنت تعمرها بالخير لتحيا في الحياة الخالدة هناك في مستقر رحمة ربك، قال الله عز وجل: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} سورة القصص,77

الخطوة الرابعة: اكتشف ذنبك أو عيوبك اكتشافاً مبكراً ولا تسمح لها بالانتشار.

مهم جدا أن تتنبه لو وجدت نفسك تميل عن المسار الصحيح، أو وجدتها فترت وضعفت، أو حتى لو وجدت في نفسك ضيقاً ليس له مبرر، وأصبحت وكأنك تتنفس من ثقب إبرة أن تتنبه لذلك وإياك أن ترى ذلك شيئا عادياً وتتعايش معه وكأنه أمر طبيعي، بل اسأل نفسك! ابحث عن سبب هذا التغيّر، اكتشف ما وراء إحساسك بالضيق واليأس والإحباط! فلا يمكن أن تتعامل مع هذه الأمور وكأن الجميع يمر بها، لأن الإنسان الذي يعرف الله عز وجل ويذوب قلبه بيقينه بحكمته في كل قضاءه وتدبيره في كل أمر، وأن الله لا يقضي إلا خيراً لا يمكن أبداً لمن عاش قلبه بهذا الاعتقاد أن يمر بمثل هذه الأحداث والأحاسيس، فهو قد يحزن فترة، ويتألم أخرى ولكنه لا يُصاب بهذا ولا يمتد أثره معه؛ لأنه إنسان يعرف في قرارة نفسه أن هذه الدنيا كلها لا تستدعي منه استهلاك مشاعره فضلاً عن استهلاك حياته.

إذاً عندما تعرف وتكتشف أمراضك مبكراً، وتعمل تحاليل كاملة لحياتك، وتتساءل في نفسك، لماذا أشعر بالضيق بلا سبب؟ لماذا لم أعد أستطيع صوم الإثنين والخميس كالسابق؟ ولمَ أصبح قيام الليل ثقيلاً علي؟ تساؤلاتك هذه تساعدك في اكتشاف مواضع الخلل وتقويمها، وجوانب النقص وإكمالها، وستعرف مواطن الذنوب وتهجرها، وستتخذ قرارك بالعلاج، واعلم أن قضية العلاج ليست سهلة ولن تكون بيوم أو يومين بل تستمر معالجتنا لعيوبنا وذنوبنا حتى آخر نفس تتنفسه.

لأن عيوبنا أحياناً ننتصر عليها وأحياناً تنتصر علينا، إذاً الحرب سجال، فيوم لك ويوم عليك لكن المهم أن تموت بشرف المحاولة وأنت تناضل لتغيير نفسك إلى الأفضل.

الخطوة الخامسة: أن تصبر على العلاج.

يقولون في الإسعافات الأولية أنه إذا أصيب الإنسان بجرح وتعرض لنزيف، فيجب أن يضغط على مكان الجرح ليتمكن من إيقاف النزف، وسيشعر حينها بألم شديد عند الضغط عليه لكن ليس هناك سبيل لتوقّف الدم إلا بالضغط عليه، كذلك نحن أيضا نحتاج أن نضغط على مكان الجرح في أرواحنا، فجرح الروح ليس جرحاً عادياً ولا الذي ينزف منه دماً بل نزفه إيمان، ونزيف الإيمان هذا يستهلك رمضانك الماضي و ختماتك للقرآن وصدقاتك التي أخرجت، وكل أعمل الخير التي قمت به ، فالسيئات اليومية التي نقترفها تتسبب في استمرار هذا النزيف، وسيبقى الجرح مفتوحاً والنزيف مستمراً ما بقيَت تلك الخطايا تُقترف وأعمالنا الباردة التي نضعها عليه ستكون بمثابة ضمادات الامتصاص فقط , فلا هي أوقفت النزف ولا أغلقت الجرح .

فالصبر على العلاج أمر ضروري لأن محاولة ترك الذنب و مخالفة الهوى، فيها من المشقة ما فيها، ولا تكتفي فقط بمعالجة نفسك بل بادر لمعالجة من حولك،  فلو رأيت أخاك أو صاحبك ينحرف عن جادة الحق ويتغير شيئاً فشيئاً، لا تتوانى في إنقاذ روحه؛ فإنقاذ روحه من النزيف الإيماني أولى من جسده، أمسك جرحه وانصحه بأن يداوي الجرح قبل أن يتسع ويصعب علاجه، فكل هذه الجروح نشأت من ذنب استسهله الإنسان حينما ظنّ أنه ما زال في الحياة متّسع ليتوب بعد ذلك، وغرته ملذات الدنيا عن الاستعداد لنعيم الآخرة .

ختامًا.. 

ابتدأنا في بداية المقال بسرد بعض الأدلة من القرآن والسنة تدل على سعة رحمة الله؛ لنبيّن أن هذه الرحمات السماوية لا يبتعد عنها إلا من أراد أن يبتعد، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قيل : يا رسول الله من يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )).

فليس هناك من يرفض ويأبى أن يدخل الجنّة، ولكن هناك من يرفض اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن رفض وأبى اتباعها فكأنما امتنع عن دخول الجنّة.

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..


* تنويه: مادة المحاضرة جُمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.