بتاريخ ١٢ / ١ / ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)



الملخص:

يشتدّ عليك أمرٌ، يؤرّق بالك، فتسرعُ طارقًا الأبواب!

أما وأنّ هناك بابًا لا يُرامُ جنابه ففيه القوّة والغلبة والمَنَعة !

بابُ:

[العزيزُ الأعزّ]

عنهُ سبحانه سنتحدّث 

تكرر اسم الله العزيز في القرآن أكثر من اثنين وتسعون مرة، وما يتكرر إلا لحكمة يعلمها الله عز وجل ولأمر يرشد الله عز وجل به العباد وهو التعرف عليه من خلاله، فمعنى العزيز هو القوي الذي يغلِب ولا يُغلب وهذا مُطلق العِزة ومطلق القوة، ففيه معنى القهر والقوة والمنعة، فلا يوجد أحد يُضاهي الله عز وجل بهذه العزة ولا بهذه القوة

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )

سورة الشورى ١١ 

نـحن قـوم أعـزنـا الله بــالإســــلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله 

ذكر الحاكم في المستدرك :

قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام لما فتحت أرض المقدس ليستلم مفاتيح المسجد الأقصى، وكان الرهبان والقساوسة وجنود المسلمين ينتظرونه, فجاء

عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- و معه غلامه،فعرضت له مخاضة

(والمخاضة : مكان ضحل فيه طين يضطر العبور فيه فيتلطخ الإنسان تتوسخ فيه ثيابه)

فنزل عمر -رضي الله عنه عن بعيره ونزع خفّيه، أي مشى حافيًا ثم أخذ بخطام راحلته وكان عليها غلامه، فخاض المخاضة والغلام فوق راحلته وهو حافي القدمين، وراح مشمّر عن ثيابه ويخوض المخاضة، فلما نظر له أبو عبيدة ابن الجراح -رضي الله عنه- قائد جيش المسلمين الذين فتحوا القدس قال أبو عبيدة لعمر- رضي الله عنهما- :

“يا أمير المؤمنين قد فعلت فعلًا عظيمًا عند أهل الأرض نزعت خفيك وقدمت راحلتك وخضت المخاضة لو غير هذا“

(أي لو  تبدل ملابسك).

قالها لأنه توجد مراسم لتسلم المفاتيح، فصك عمر رضي الله عنه بيده في صدر أبي عبيدة -يعني ضربه ضربة في صدره- فقال:

( أواه يا أبا عبيدة لو غيرك يقولها، كنتم أذل الناس، وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله تعالى )

كان الواحد منهم إذا جاع يأكل ربه المصنوع من التمر، كانت عقولهم خفيفة وصغيرة وتعبث بها الجن في الوديان؛ فلما أسلموا تبدلت أحوالهم.

هذه الجملة تكتب بماء الذهب، من أين أتى بها عمر رضي الله عنه! 

من آية واضحة جاءت في كتاب الله عز وجل، قال تعالى ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ)

سورة فاطر ١٠


عـلـــو بـنـي إسـرائـيـل واستكبارهم في الأرض 

حينما أنجى الله عز وجل بني إسرائيل وأغرق فرعون وجنوده في البحر من أجلهم، أمرهم الله عز وجل بأن يتموا هذا الانتصار الذي رأوه أمام أعينهم، أمر أن يدخلوا الأرض المقدسة، فماذا كان جواب هذه الأمة التي اعتادت على الذل والاستعباد؟

(قَالُوا يَا موسى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)

سورة المائدة آية 22

أي لا نستطيع الدخول، لأن فيها أناس جبارين ونحن مجموعة خدم لا نستطيع أن ندخل هذه الأرض المقدسة -الأرض التي وهبهم الله إياها-، وقال لهم ادخلوها أنتم منصورون ومع ذلك لم يفعلوا ذلك وخافوا وذلوا، فماذا كانت النتيجة بعد المفاوضات والدلائل والتشجيع بأن الله سينصرهم؟

قالوا كلمتهم الأخيرة (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)

سورة المائدة آية 24


النتيجة ..وتربية الله لبـــنـي إســرائـــيل 

بنو إسرائيل تعودوا على الجبن والخوف وهم خدم أذلاء عند الفراعنة، لم يستطيعوا بعدها أن يرفعوا رؤوسهم مع أنهم رأوا المعجزة أمامهم وهي إغراق فرعون وجنوده .. فكيف رباهم الله عز وجل؟ وكيف أخرج منهم جيل صالح دخل الأرض المقدسة؟!

أنزل الله عز وجل عليهم عقوبة بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، أربعين سنة في الصحراء يدورون على أنفسهم، كلما أصبحوا في صباح وجدوا أنفسهم في طريق مختلف، فالأرض وكأنها تتغير عليهم أربعين سنة وقد كتب الله عليهم التيه وقد مات موسى عليه السلام وهو بالتيه لم يدخل الأرض المقدسة. لماذا أربعين سنة بالذات؟

يقول المفسرون: مات الجيل بأكمله -الذين تعودوا على الاستعباد والاستذلال- ،ووُلِد جيل بأكمله في الصحراء وقد تعود على شظف العيش وأن يكونوا أحرارًا ولهم القرار، فما ذاقوا الذلة و لا تعودوا على أن يكونوا عبيدًا، فهؤلاء الذين فُتحت على أيديهم الأرض المقدسة.

ولذلك لا يمكن لجيل أن يُكتب على يديه نصر ولا مجد ولا أن يقوم برسالة الإسلام إذا كان هو ذليلاً في نفسه، أو يشعر بنوع من الهوان أو الضعف. 

بدأنا بكلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)، فلم تكن قوة المسلمين ولا أعدادهم هي التي انتصروا بها على إمبراطورية الفرس أو الروم، ولا الثلاثة آلاف الذين قابلوا مئتين ألف في جيش اليمامة، لن تجد في مرة من المرات أنه كان الجيش المسلم هو الأكثر أو الأكثر قوة ومع ذلك كانوا هم الذين ينتصرون!

 لأنهم كانوا يُقاتلون بالذي في قلوبهم من هذه العزة بالله عز وجل.


كيف نحقق هذه العزة؟ وكيف نأتي بأسباب العزة؟

الإجابة على هذا السؤال ستكون من خلال العكس، سنعلم ما هي أسباب الذل لنعلم ما هي أسباب العزة.

أسباب الذل: 

١/الشرك والبدعة: 

أن تبتدع بدين الله مالا يوجد، وكل من افترى على الله وأدخل عليه بما ليس منه سيجزيه الله بالذلة في الحياة الدنيا قبل الآخرة. قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وكذلك نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ”

(الأعراف:١٥٢)

لذلك بنو إسرائيل الذين اتخذوا العجل ضُربت عليهم الذلة وستبقى هذه الذلة قائمة في أعينهم إلى قيام الساعة.


٢/ أن تحارب الله ورسوله: 

أن تحارب وتجادل ضد الدين وتدافع عن المعاصي في المجالس وكأنك مرسول الشيطان، قال تعالى: “إن الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك فِي الْأَذَلِّينَ”

(المجادلة:٢٠) 

رؤوسهم في الأرض ولو ظنوا أنها في الأعلى، وسيذلهم الله عاجلًا غير آجل. 


٣/النفاق والاعتزاز بغير الله: 

أن تنتسب إلى عشيرتك أو قبيلتك أو موهبتك أو مجدك أو شهرتك وتتكبر على خلق الله وترى نفسك أفضل منهم، قال تعالى: “يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ”

(المنافقون:٨)


٤/استمرار المعاصي وتسويف التوبة: 

استمرارك في المعاصي، بأن تصبح شيئًا عاديًا اعتياديًا في حياتك، أن يصبح الذنب وراء الذنب ولا تكش لها نفسك!!

ويكون سماع الأغاني ومشاهدة المحرمات أمرًا  عاديًا! 

قال تعالى: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ”

(آل عمران:١١٢)


أسباب العزة :

أولاً: الإيمان

 لتكون عزيزاً في إيمانك بالله أولاً، قال الله تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)

المائدة – الآية٥٤


ثانياً: التواضع

من أسباب العزة أن تتواضع قال الله تعالى:(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ..)

المنافقون – الآية 8


ثالثاً: العفو

قال النبي ﷺ:(٠٠وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا٠٠)

رواه مسلم

فحين تعفو في الأرض يرفعك الله في الدنيا والآخرة 


رابعاً: أن تتقرب إلى الله باسمه الأعز 

كان النبي يدعو بهذا الدعاء فيقول:(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

سورة الممتحنة آية ٥


خامساً: أن تُوالي الله ورسوله وصالح المؤمنين

لابد أن تختار موقفك ولا بد أن تنصر دينه، فإن لم تكن ناصراً فلا تكن ساكتاً عن الحق ولا تكن شيطاناً أخرس، انصر نبيك وانصر دينك وكتابك. قال تعالى:

( الله ولي الذي آمنوا)

البقرة 257 


سادساً: مخالفة الهوى

قال ابن القيم-رحمه الله- : ”لكل عبد بداية ونهاية فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء ويصير في النهاية عذابه يعذب به في قلبه، فالمسجون من سجنه هواه والمأسور من أسره هواه“ 


سابعاً: أن تتذلل وتنكسر للعزيز الجبار

قال ابن القيم -رحمه الله -: ”إن هذه الكسرة لها تأثير عجيب في المحبة لا يُعبر عنها“ .

وقال بعض العارفين:“ دخلت على الله من كل الأبواب فما دخلت من بابٍ إلا ووجدت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول حتى جئت من باب الذل والافتقار  فإذا هو أقرب بابٍ إليه وأوسعه“.

فمن لم يستطع أن يكون من الصائمين أو المتصدقين أو الحافظين لكتاب الله فليجيئ من باب الذل والانكسار، هذا الباب مفتوح فالله يبسط  يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ولا يغلق هذا الباب حتى تشرق الشمس من مغربها فزاحم على هذا الباب .. ذُل نفسك وانكسر لله وقل ياربّ، قال تعالى :

(إني مغلوب فانتصر).


ثامناً: التقوى مفتاح لكل العز

اتقِ الله واجعل بينك وبين ما يكره وبين عذابه وعقابه وقاية.

قال الحسن البصري -رحمه الله -:(أعز أمر الله حيثما كنت يعزك عز وجل ).“

المرجع: الزهد للإمام أحمد ٢١٣

فإذا أردت أن يعزك الله فعز الله .. فالتقوى هي رأس العزة ومفتاح الشرف في ذلك.

أسأل الله الذي يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويذل من يشاء ويعز من يشاء بيده الخير إنه على كل شيء قدير رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما يعطيهما من يشاء ويمنعهما عن من يشاء أسأله أن يرحمنا برحمته رحمة يغنينا به عن من سواه. 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

5 تعليقات
  1. vorbelutrioperbir says:

    Good day very nice blog!! Man .. Excellent .. Wonderful .. I’ll bookmark your web site and take the feeds alsoKI’m satisfied to seek out so many helpful info right here within the submit, we want work out extra techniques on this regard, thanks for sharing. . . . . .

التعليقات مغلقة