بتاريخ ٢٩ / ١ / ١٤٤٣ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


قال النبي :”وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ…” 

المصدر : صحيح مسلم

يحب الله منا حينما نتدارس أسماؤه أن نتمثلها، فالله رحيم يحب الرحماء، وكريم يحب الكرماء، وستير يحب من يستر على عباده..


ما معنى الستير؟ 

ومـاذا لو أنـك فـي كل مرة أذنبـت ذنـبًا فضـحك اللـه، كيـف سيكون شـعـورك؟

الستير: الذي يحب الستر ويكره الفضائح ويكره العورات، وهو اسم نادر مايخطر على الذهن وقت الدعاء!

قال النبي ﷺ: “ما من عبدٍ مؤمِنٍ إلَّا وله ذنبٌ، يعتادُهُ الفينَةَ بعدَ الفينَةِ ، أوْ ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يفارِقُهُ ، حتى يفارِقَ الدنيا ، إِنَّ المؤمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا ، توَّابًا ، نَسِيًّا ، إذا ذُكِّرَ ذكَرَ”

المصدر : صحيح الجامع

 إلا أن الله يحب منا التوبة، فاسم الله الستير يتضمن صفة من عظيم فضل الله علينا أنه يسترنا بستره. 

ذُكر في الحديث الصـحيح أن رسـولَ اللهِ ﷺ رأى رجـلًا يَغْتَسِلُ بالبَرازِ، فصَعِدَ المنبرَ، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، وقال: “إن اللهَ عزَّ وجلَّ حليمٌ حييٌّ ، سِتِّيرٌ ، يُحِبُّ الحياءَ ، والسِتْرَ ، فإذا اغتسَلَ أحدُكم فلْيَسْتَتِرْ”

المصدر : صحيح النسائي

فالله عزوجل يحب أن نستتر عندما نذنب؛ وإذا كان الستر مطلوب فترك الذنب أكثر طلبًا..

الله لا يحتاج إلينا ولا إلى عبادتنا..
قال النبي ﷺ في الحديث القدسي:

“يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ

وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ

فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي…” 

المصدر : صحيح مسلم

فالله سبحانه غنيّ عنا وعن عبادتنا!

ومع ذلك إذا عصاه عبده وأذنب، فندم غفر الله له وستر عليه، فسبحان من

تنتهك حرماته فيوفق العبد إلى الندم والتوبة فيغفر له.

لاتستطيع أن تعمل شيء بعيدًا عن الله، فالله رآك في كل مراحلك لفعل الذنب، ومع ذلك قال تعالى:

“وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ”

(الشورى:٢٥)


ما هي شروط التوبة من الذنب؟ 

-أن يندم على مافات.

-أن يعزم على أن لايعود.

ذُكر أنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، كيفَ سَمِعْتَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ يقولُ في النَّجْوَى؟

قالَ:

“يَدْنُو أحَدُكُمْ مِن رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عليه، فيَقولُ: أعَمِلْتَ كَذَا وكَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ، ويقولُ: عَمِلْتَ كَذَا وكَذَا؟ فيَقولُ:

نَعَمْ، فيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يقولُ: إنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليومَ”

المصدر : صحيح البخاري

“يَضَعَ كَنَفَهُ عليه”:أي أن الله عز وجل يلقي الستر بينك وبين الخلق. وحينها يصبح الحديث خاص فقط بينك وبين الله عز وجل

في موقف لاتستطيع فيه إنكار مافعلت وأنت بين يدي الله عز وجل وبعد مايقرر الله المغفرة للعبد يقول له عز وجل :

” فإنِّي قد سَترتُهَا عليكَ في الدُّنيا،وأنا أَغفِرُهَا لكَ اليومَ”

المصدر : صحيح الجامع


إذا أذنب الإنسان فلم يستر الله عليه، فأول ما يفعله لابد من سؤال نفسه

لماذا هتك الله عز وجل ستره عني؟

ذكر أنَّ عمرَ-رضي الله عنه- أُتِي بشابٍّ قد حلَّ عليه القطعُ فأمر بقطعِه فجعل يقولُ :

يا ويلَه ما سرقتُ قطُّ قبلَها ، فقال عمرُ : كذبتَ وربِّ عمرَ ما أسلم اللهُ عبدًا عند أوَّلِ ذنبٍ

فلما يتمادى الإنسان ويشتري على الله عندها يفتضح.
ولا يشترط حينها تكرار نفس الذنب حتى يفضح الله عبده وإنما أحيانًا يكون قد فعل الذنب لأول مرة

وفعل مقدمات هذا الذنب أكثر من مرة، فكان الستر في كل مرة يتناقص!

ومن رحمة الله أن العبد يتوقف من أول مرة عن الذنب ولا يتمادى في هذا الطريق.

قال النبي ﷺ :

” كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين ، و إنَّ من الجِهارِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا ثم يُصبِحُ و قد ستره اللهُ تعالى فيقولُ : عملتُ البارحةَ

كذا و كذا ، و قد بات يسترُه ربُّه ، و يُصبِحُ يكشفُ سِترَ اللهِ عنه”

المصدر : صحيح الجامع 

المعافون هم المستترون بذنوبهم والنادمون الخطاوؤن المستحيين من فعلهم

ولايريدون لأحدٍ أن يتمادى بنفس فعلهم.

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ صعد المنبر فنادَى بصوتٍ مرتفع فقال:

“يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ ، لا تُؤذُوا المسلمينَ

ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ” 

  المصدر : سنن الترمذي. 

و مثال ذلك: عدم انتهاك الزوج والزوجة لخصوصياتهم، ودليل ذلك ماكان يفعله النبي ﷺ مع أهله، أنه كان لا يطرق 

باب أهلِه ليلاً، أي لا يقدَمُ عليهم ليلاً يفجأهم بقدومِه، بل السنَّةُ أن يقدمَ عليهم أولَ النهار أو آخره؛ عن أنس -رضي الله عنه- قال:

“كان النبي ﷺ لا يطرقُ أهلَه ليلاً، وكان يأتيهم غدوةً وعشية”

المصدر:صحيح المسلم 

وكان يعلم صحابته إذا وصلوا للمدينة نهارًا أن يذهبوا للمسجد ويرسلوا الرسل لبيوتهم لكي يشعرونهم بوصولهم

فيعرفون الأهالي بذلك ويستعدون. على الرغم من قدومه من وعثاء السفر إلا أنه تتجلى لنا رحمته في عدم انتهاك خصوصية أهله  ليلاً.
وهذه المعاملة التي كان يربي بها النبي ﷺ جيش بأكمله وصحابة بأكملهم بأن لا يخونوا أهاليهم، فهذا الفعل يجعل الإنسان كما قال النبي ﷺ:

“إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ الناسِ ؛ أَفْسَدْتَهُمْ ، أوْ كِدْتَ أنْ تُفْسِدَهُمْ”

المصدر : صحيح الموارد

ومن يرد الله أن يفضحه سيفضحه ولو خبأ نفسه، فلا تتعب نفسك في تتبع الريب في الناس.
جاء في الروايات أن: (أقيلوا ذوي الهيئةِ زلَّاتِهِم)

المصدر : صحيح ابن حبان

أي الناس المنتفع بهم كالمربين والمعلمين وشيوخ وطلبة العلم، فلو تم مشاهدتهم

في لحظة إرتكاب ذنب ما، لاينبغي التشهير بهم، فهناك فرق بين المنافق وبين من يرزتق بالتمثيل بالدين فهؤلاء

سيتكفل الله بهم ويفضحهم، وهناك فرق بين الناس الصالحين الذين انتفع الناس بعلمهم فحينما يتعرضون لموقف فيه لحظة ضعف فلا بد من الستر عليهم.



ما الفرق بين اسم الله الستير و صفة الساتر؟

اسم الله ستير وليس ساتر، فعالم وساتر هي صفات عامة، أما الأسماء التي وردت في الكتاب والسنة

فهي أسماء توقيفية فما يجوز أن تسمي الله إلا بما سمى به نفسه. 

من أهمية هذه الصفة أن الرسول ﷺ كان يَدْعو حينَ يُصبِحُ وحينَ يُمْسي بهذه الدَّعَواتِ:

“اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ العافيةَ في الدُّنيا والآخِرةِ، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ العَفوَ والعافيةَ في دِيني ودُنيايَ، وأهْلي ومالي، اللَّهُمَّ استُرْ عَوْراتي…”

المصدر: تخريج زاد المعاد

ماعز بن مالك-رضي الله عنه- كان أحد أصحاب النبي ﷺ وكان أحد الاخيار وأحد الذين وقر الإيمان في قلوبهم، فقد أصاب شيطانه

ووقع في فاحشة الزنا، فجلس في ذلك يوم يومين ولم يطق نفسه جلس يتحرق فذهب إلى أقرب الناس له

من أبناء عشيرته اسمه هذال وقال له ياهذال إني أصبت ذنباً وأخبره ما فعل..
فقال هذال: إني لا اعلم شيئاً إلا أن تخبر النبيﷺ، فذهب ماعز إلى النبي ﷺ ومشى إليه نادمًا تائبًا فيه وخزة الذنب فلما جاء

ووقف أمام الرسول ﷺ أول مانطق به قال: يارسول الله طهرني !!

فَقَالَ النبي ﷺ: “وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ” قَالَ فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي

فَقَالَ النبي ﷺ:

“وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ” قَالَ فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: طَهِّرْنِي فَقَالَ النبي ﷺ: مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ النبي ﷺ

“فِيمَ أُطَهِّرُكَ” فَقَالَ مِنَ الزِّنَي. فَسَأَلَ النبي ﷺ:

“أَبِهِ جُنُونٌ” فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ فَقَالَ: “أَشَرِبَ خَمْرًا” فَقَامَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ فَقَالَ النبي ﷺ:

“أَزَنَيْتَ؟” فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ جَاءَ النبي ﷺ وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ

فَقَالَ:”اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ” قَالَ فَقَالُوا غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ النبي ﷺ:”لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ”

المصدر : صحيح مسلم

وصلت الأخبار إلى النبي ﷺ بعدما مات ماعز أن القصة في بدايتها أن ماعز ذهب إلى هذال فأخبره، فنادى رسول الله ﷺ

هذال وقال له:”يا هذال لو سترته بثوبك لكان خيرا لك مما صنعت به هذا تائب جاءك فلو سترته لكان خيرًا لك”

المصدر : صحيح الجامع

ذُكر عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- أن رجُلًا قال:إنَّ ابنةً لي وأَدْتُها في الجاهليَّةِ، وإنِّي

اسْتَخْرجْتُها وأسلَمَتْ، فأصابَتْ حَدًّا، ثمَّ إنَّها نَسَكَتْ، فأقْبَلَتْ على القُرآنِ، فهي تُخْطَبُ إليَّ، فأُخْبِرُ مِن شأْنِها بالَّذي كان؟

فقال له عمرُ: تَعمِدُ إلى سِتْرٍ ستَرَهُ اللهُ، فتَكشِفُه! لئِنْ بلَغَني أنَّك ذكَرْتَ شيئًا مِن أمْرِها لَأجعَلَنَّك نَكالًا لأهلِ الأمصارِ، بلْ أنْكِحْها نِكاحَ العفيفةِ المُسلمةِ.

وهذا الستر واسم الله عز وجل الستير، ثم يأتي أُناس فيهتكون ستر الله عليهم!

من أجل هذا الستر وضعت الحدود، فحد القذف جاء لمن يقذف بالأعراض ثمانين جلدة.

لذلك نزلت آية في وجوب جلب أربعة شهود، قالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: يا رَسولَ اللهِ ﷺ، لو وَجَدْتُ مع أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حتَّى آتِيَ بأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟

قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: “نَعَمْ”، قالَ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ، إنْ كُنْتُ لأُعَاجِلُهُ بالسَّيْفِ قَبْلَ ذلكَ، قالَ رَسولُ اللهِﷺ:

“اسْمَعُوا إلى ما يقولُ سَيِّدُكُمْ، إنَّه لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ منه، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي”

المصدر : صحيح مسلم

ولذلك الستر عزيز وليس بهذه السهولة، وحتى لو كانت زوجتك، قال تعالى:

“وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”

(النور:٤)

في نص هذه الآية الذي يرى واقعة الزنا في بيته، وليس له أربعة شهود يشهدون على هذه الواقعة، واتهم زوجته بالزنا

فلابد أن يُجلد ثمانين جلدة. لذلك جاءت آيات الملاعنة فيما بين الزوجين رحمةً من الله عز وجل ولعظم حق العلاقة بين الزوجين وعظم وخصوصيتها.

قال تعالـى:”إِنَّ الَّــذِينَ يُحِبُّــونَ أَن تَشِــيعَ الْفَاحِشَــةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ”


كيف تشيع الفاحشة؟

تشيع الفاحشة بكثرة سماعها دون إنكار. فعندما تفتح مواقع التواصل وتسمع أنواع الفواحش دون استنكار يصبح الأمر عادي! ك

ما وصلنا اليوم إلى حالةٍ يُستمتع فيها بزلات العلماء والشيوخ، فيشعر الإنسان أنه لا يوجد أحد صالح أو تقي.

أُتي عبد الله بنُ مسعودٍ-رضي الله عنه- فقيل :

هذا فلانٌ تقطرُ لحيتُه خمرًا ! فقال عبدُ اللهِ: إنا قد نُهينا عن التجسُّسِ، ولكن إن يَظهرْ لنا شيءٌ نأخذُ به. 

المصدر : صحيح أبي داود

فتخيل لو أنك تؤاخذ بالظن، وأنه بمجرد أن شخصًا رأى عليك آثارًا أو شمَّ رائحةً منك أُقيم عليك الحد!

لذلك قال ابن مسعود إنا نهينا عن التجسس، فلو شهدنا عليها عليه حال فعله الذنب أقمنا عليه، ليس بالظن أو غيره.

ومن أجل الستر؛ حُرِّم التجسس، قال تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”

(الحجرات: ١٢) 

عن مريم بنت طارق: أنَّ امرأة قالت لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمَّ المؤمنين، إنَّ كَرِيًّا-رجلًا- أخذ بساقي وأنا مُحْرِمَة، فقالت -رضي الله عنها-:

حِجْرًا حِجْرًا حِجْرًا، وأعرضت بوجهها، وقالت بكفِّها، وقالت: يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكنَّ ذنبًا، فلا تخبرنَّ به النَّاس، ولتستغفر الله تعالى، ولتتب إليه؛ فإنَّ العباد يُعَيِّرُون ولا يُغَيِّرُون، والله تعالى يُغَيِّر ولا يُعَيِّر.

ولذلك قال النبي ﷺ: “إنك إن اتبعتَ عوراتِ الناسِ أفسدتَهم أو كدتَ أن تفسدَهم”

المصدر : صحيح أبي داود

وأقبح من التشهير بالذنب أن تعاير به، فتكرار المعايرة بالذنب وتذكير الشخص المذنب بذنبه يجعله يفقد شعور التطهير والتوبة من الذنب.

 إذا قل إيمان الإنسان مع معايرة الناس له، فما الذي يجعله أن يتوقف عن فعل هذا الذنب؟

إثم المعايرة ليس فقط على الفاعل، وإنما على الذي يقوم بفعل المعايرة نفسه، فسيبتلى بما يعاير به.

يجب أن نفرق بين الستر والغفران والمغفرة:

 الغفران: أعلى من الستر، يقتضي إسقاط العقوبة ونيل الثواب، فالله يستر ويسقط العقوبة ويقلب لك ذنبك إلى حسنات.

 الستر: أخص من الغفران، يجوز أن يستر ولا يغفر.

 المغفرة: تحتاج لنفوس كبار حتى تستطيع أن تغفر وتستر، ولذلك هي عظيمة عند الله عز وجل.



كيف نفوز بستر الله عز وجل؟

١- أخلص المعاملة بينك وبين الله تعالى.

قال النبيﷺ”مَنْ سمَّعَ الناسَ بعملِه ِسمَّعَ اللهُ بهِ سامِعَ خلقِهِ وصغرَهُ وحقرَهُ” المصدر : الترغيب والترهيب

إن الجزاء من جنس العمل، فمن ستر مسلمًا ستر الله عليه، فإذا كانت سجيتك أنك دائمًا تستر على الناس، فإن الشر والفاحشة

سيأتون إليك ويقفون، فلا تهتك ستر أحدهم ولا تتكلم عنه، حتى لو كان ممثل أو مغني وهو فاجر وفاسق، إذا ما كان يفعل الذنب

أمام الناس والملأ، فلا يجوز أن نقذفه ، -رغم الكبائر التي يفعلها- فلا شهدت ذلك ولا رأيته بعينك، وليس أي إنسان

أو مجموعة تجعل لهم تصنيف معين عندك وتقول هؤلاء من الفسقة. 


٢- لا تجاهر بذنبك أمام الناس. 

المجتمع الذي نعيش فيه، يدفعنا نحو المجاهرة بالذنب لمجاراة الناس، لتصبح أرقى! ليس فقط أن تفعل الذنب

وتستر على نفسك، قاوم الذنب، واعلم أن  مَن أَسَاء سِرًّا، فليتب ْسِرًّا، ومَن أَسَاء علانيةً، فليتب علانيةً، فإنَّ الله يغفر ولا يُعَيِّر، وإنَّ النَّاس يُعَيِّرون ولا يغفرون، كما قال أحد السلف.

ويقول النبيﷺ:

“اعبدِ اللهَ كأنك تراهُ، واعدُد نفسَك في الموتَى، واذكرِ اللهَ عند كلِّ حَجرٍ، وعند كلّ ِشجَرٍ، وإذا عمِلتَ سيئةً فاعمل بِجَنبِها حَسنةً، السِّرُّ بالسِّرِّ، والعَلانيةُ بالعَلانيةِ”

المصدر : صحيح الترغيب

وهذا مصداق قول الله عز وجل:”إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ”

(هود: ١١٤)


٣- الإكثار من الاستغفار والعبادات.

جَاءَ رَجُلٌ إلى النبي ﷺ فَقالَ:”يا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فأقِمْهُ عَلَيَّ، قالَ:وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مع رَسُول ِاللهِ ﷺ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فأقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللهِ، قالَ:هلْ حَضَرْتَ الصَّلَاةَ معنَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: قدْ غُفِرَ لَكَ”

المصدر: صحيح مسلم


٤- إذا سترت على أخيك المسلم.

قال الحسن البصري-رحمه الله-: من كان بينه وبين أخيه سِتْر فلا يكشفه.

نحن مأمورين أن نستر بعضنا، لا أن ننشر ذنوب بعضنا البعض، تخيّل أن تسمع خبرًا ويقف الموضوع عندك، أي فاحشة

أو أي ذنب أو أي فضيحة ستنتشر؟ لو أول شخص ستر على أخيه ستنتهي عنده،  حتى لو كنت في مجلس والأول تكلم

في أمر والثاني أوقفه بأسلوب لبق ستكون سنة حسنة، بخلاف لو أكمل الثاني والثالث الحديث واستمر الموضوع.

قالت عائشةُ -رضي الله عنها-:

“سألَ رسولُ الله ﷺ زينبَ بنتَ جَحْشٍ-رضي الله عنها- عن أَمْرِي -في حادثة الإفك-ما عَلِمْتِ أو ما رَأَيْتِ؟ قالت:” يا رسولَ الله أَحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، والله ما عَلِمْتُ إلَّا خيرًا”

المصدر : صحيح البخاري 


٥- لا تتبع عورات وأعراض الناس.

قال العلماء: من الستر على المسلم عدم تتبع عوراته.

إن أهَمِّ مَقاصدِ الإسلامِ حِفظُ الأعْراضِ؛ ولذلِك نَهَى الإسلامُ عن كلِّ شَيءٍ يُؤدِّي إلى انتِهاكِ الأعْراضِ، وسَدَّ كلَّ ذَريعةٍ تُؤدِّي

إلى إفْسادِها، كما أرْشدَ إلى ما يَحفَظُ القلوبَ مِن الوُقوعِ في الهَوى.

قال النبي ﷺ:”لا تُباشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَها لِزَوْجِها كَأنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْها”

المصدر:صحيح البخاري

فليس للمرأةِ أن تصفها بمحاسنها لزوجها  وما فيها مِن جَمالٍ أو قُبحٍ، كأنَّهُ يَنظُرُ إلَيها؛

لشِدَّةِ الوَصفِ ودِقَّتِه، فإنْ كانتِ الموصوفةُ جَميلةً تَعلَّقَ قلْبُه بها، فيَميلُ إلَيها، ويَفتَتِنُ بها، ويَكرَهُ زَوجتَهُ

التي وصَفتْها لأجْلِها، فيكونُ ذلكَ سَببَ طَلاقِها، وإِنْ كانتِ الموصوفةُ قَبيحةً فهذا مِن الغِيبةِ. 



مِن أسبـاب ستر الله عز وجل على عباده:

١- الصدقة

 قال ﷺ: “مَنِ استطاعَ منكم أنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النارِ ولَوْ بِشِقِّ تمرةِ فلْيَفْعَلْ”

المصدر: صحيح الجامع 

أخذ العلماء من هذا الحديث أنّ الصدقة من أبواب الستر؛ لأنّها إن كانت تستر من الكير الأعظم وهو النار، فمن غيرها وأقلّ منهـا من باب أولى.


٢- الدعاء

 كمـا قال ابن عمر -رضي الله عنه-:لم يكنْ رسولُ اللهِ ﷺ يَدَعُ هؤلاء الدعواتِ حينَ يُمسي، وحينَ يُصبِحُ، وذكر منها:

“اللهم استرْ عورتي وآمنْ روعاتي”

المصدر: صحيح أبي داود 


٣- حسن الظنّ بالله عز وجل

أن تظن بيقين بأن الله لن يهتك ستـرك، فحينَ تدعو بذلك فأنت تظنّ أن الله لن يسوؤك في نفسك أو في أهل بيتك وهذا ظنُّك بهِ سبحانه، والله عزّ وجـل يقول في الحديث القدسي: “أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي”

المصدر: صحيح البخاري


 ٤- تربية البنات

 قـال ﷺ: “مَنِ ابْتُلِيَ مِن هذِه البَنَاتِ بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ”

المصدر: صحيح البخاري

أن منِ اختُبِرَ بشَيءٍ مِنَ البَناتِ؛ لِيُنظَرَ ما يَفعَلُ: أيُحسِنُ إليهِنَّ أمْ يُسيءُ، “سِتْرًا مِنَ النَّارِ”:

أي شيء يستر من النار فهو من باب أولى أنه يسترك بالدنيا. 


٥- عدم إشاعة الفواحش

 عن شُبيل بن عوف-رضي الله عنه- قـال: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو فيها كالذي أبداها، سمعت بمنكر ولم يعرف عنهُ أحد، ونشرتَه:

أصبحت كالذي ابتدأه في أول مرة؛ لأنّه من المفترض أنك حين ترى الفاحشة أن تقف عندك.


٦- أن تستتـر ولا تتعرّى

فالتعرّي هتكٌ لستـر الله عز وجلّ، وفي ذلك قال ﷺ:

“لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، ولا المَرْأَةُ إلى عَوْرَةِ المَرْأَةِ”

المصدر: صحيح مسلم 

فإن أردتَ أن تفوزَ بسترِ الله عز وجل عليك وأن يستر عوراتك فاستر أنتَ نفسك، ومن الاستتار ألا تتعرّى، وأن تغض بصرك.

لا تهتك سترك بينك وبين الله!

 قال ابن القيم -رحمه الله- :

للعبد سِتران؛ سِتر بينه وبين ربه، وآخر بينه وبين الخلق، فمَن هَتك السِتر الذي بينه وبين الله، هتك الله ستره بين الخلق.

أسأل الله أن يستر روعاتنا ويؤّمن روعاتنا وأن يغفر لنا ذنوبنا ما ظهر منها وما بطن. 


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

6 تعليقات
  1. آمنه محمد دوس says:

    جزاكم الله خير الجزاء جميعا والله نحن بحاجه ماسه لهذه المواعض التي تخرج الإنسان من ظلمات الجهل إلى نور الحق
    ووالله اني استفدت من هذه المحاضره كثيرا
    واني فرحانه جدا لما قرأتها شكرا لك يارب
    على نعمك العظيمه التي لا تحصى الظاهره والباطنه
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات مغلقة