بتاريخ ٢٩ / ١١ / ١٤٣٨ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا:

فضلًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط


الملخص:

هذه الأيام هي أيام التجارة مع الله؛ أيام عشر ذي الحجة، يخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام ويقول :”ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام“ قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : “ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.

هذه الأيام هي أيام استثنائية، تأتي على غفلة، هذه العشر هي نفحة من نفحات الله سبحانه يضعها في أيام الدهر، لذلك قيل: “إن لله في أيام دهركم نفحات”. وهذه النفحات مثل الهواء والنسيم الذي يأتيك على قلب ظامئ.

و نحن هنا لا نتكلم عن شهر ولا شهرين ولا سنة، نحن نتكلم عن تسعة أيام فقط، والسباق ومداه قصير جدًا، فلو فرطنا في يوم واحد فرطنا في شيء كثير!

يقول الرسول عليه الصلاة و السلام :” أفضـل أيـام الدنيـا أيـام العشـر”. هذا التعبير من النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحصر يعني أن نشدّ المئزر، ونخرُج من هذه الأيام بتجارة كبيرة لم نكن بمثلها من قبل.

وإن نحن دخلنا هذه الأيام بفكرة المتاجرة مع الله، فما هي الأعمال التي بوسعنا أن نقوم بها كي نفوز ونكون أعظم الناس ربحًا وأجرًا بإذن الله؟!

سنجمل الحديث في أمورٍ ثلاثة: أعظم الناس أجرًا في هذه العشر

أعظمهم نية

وعظم النية يبدأ من الآن، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ”. فهناك أناس إذن تبدأ أجورها الآن بمجرد العزم والإرادة القلبية، والله واسع عليم. أجرك على قدر نيتك، ليس على قدر ما عملت!

الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كان دائما ما يحدّث ويقول :” تعلموا نية الخير”. فالواجب علينا أن نكثر من النوايا الصالحة بدخول العشر، أن ننوي الخير ونجعل البلاغ على الله عز وجل. ونسأله المعونة لتحقيق هذه النية دون تهاون فالله سبحانه يطَّلع على النية والعزم ويعلم إن حال دونه حائل.

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:” اتقوا النار ولو بشق تمرة ”.

القضية ليست كمًا وإنما كيفًا، وقد قيل : رُبَّ عملٍ صغير تعظمه النية، وربّ عمل كبير تصغره النية.

ومن أعظم ما يمكن احتسابه بعد الفرائض، احتساب النوافل، فالذي لا يحافظ على نوافل الصلوات ينبغي عليه في هذه العشر الاستثنائية ألاّ يضيّع على نفسه عظيم أجرها، ألا تريد أن تبني لك في كل يوم بيتًا في الجنة!

في هذه الأيام نحن لا نفعل الخير فقط لزيادة الحسنات، وإنما هذه الأعمال تربينا، وسنرى أن هذه الحسنات ستضاعف النور في قلوبنا، وكلما كبر هذا النور زاحم ظلمة الشر.

 ومن الاحتساب أيضًا؛ احتساب فوات الحج

لا سيما لمن لم يحج بعد، ففوات الحج ليس فواتًا بسيطًا.. هذا الاحتساب يدفع الإنسان إلى أن يتساءل: ما الذي يمكنه فعله ليغفر الله له مثل ما غفر للحجيج!

فينبغي أن نجاهد بكثير من الحسنات لنزاحم هذه السيئات، ولابد أن نُعمل نيتنا طوال الوقت، و العمل الواحد قد يحتمل خمس أو ست نوايا وفضل الله واسع.

أعظمهم أجرًا

أكثرهم إخلاصًا

نحن لا نريد أن نعرف فقط أصناف الأعمال التي بإمكاننا أن نقوم بها في هذه العشر؛ بل نريد أن نعمل العمل ويكتب لنا ثقيلًا في الميزان، ولا يُثقل العمل شيء في الميزان مثل ابتغاء وجه الله سبحانه. جاء رجل إلى  رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: “الإخلاص”.

إخلاص العمل لله مطلب. لكننا لا نريد أن نصل له فحسب؛ بل بإمكاننا أن نتقدم فيه خطوة، ونخلص حياتنا كلها لله عز وجل.

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

[ الأنعام:162]

هذا لا يعني أن يعارض الإنسان رغباته؛ بل أن يجعل رغباته ضمن ما يريده الله عز وجل، فالمفهوم الذي نريد تعزيزه أن نحاول أن نُخلص حياتنا كلها لله.

هناك أناسٌ يجعلون من الستين أو السبعين أو الأربع والعشرين سنة حياةً مفعمة بالخير، يتضاعف لهم فيها من الحسنات ما تقرّ به أعينهم في الآخرة بإذن الله، هؤلاء الناس لم يعيشوا الحياة بالطول، إنما عاشوها عرضًا أوسعوه بأعمال الخير.

ومن أعظم الأعمال في أيام العشر؛ الصيام، ويقال إن الصيام هو عنوان عبادات الإخلاص؛ لأنه نادرًا ما يدخل فيه الرياء.

نحن في سباق، و كل ساعة من هذه العشر فارقة. كل ساعة ينبغي على المرء أن يسأل نفسه: ما الشيء الذي يمكنني استثماره؟ وبمجرد صيامه ستجري له من الحسنات ما الله به عليم، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: “إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.  ويقول النبي عليه الصلاة والسلام :” مَنْ صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا ”. لنضرب  سبعين  في تسعة أيام، كم ذخائر الأجر المرجوة من الله عز وجل؟!

فأكثر من أبواب الخير التي تطرقها واجعل خِبئاً بينك وبين الله عز وجل

هذا شأن عظيم. يقول النبي عليه الصلاة والسلام: “من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل” صحيح الجامع.  يقول النبي عليه الصلاة والسلام : “وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة ، السِّر بالسِّر والعلانية بالعلانية ”. فخبيئة السر التي يفعلها المسلم تذهب ذنوب خلواته. فهذا الهِتك الذي بينك وبين الله من الذنوب إن أرّقك وأوجعك وأحسست أنه نزف لا تعلم كيف توقفه؟! فأعمال السِّر وذلك الخبء الصالح يوقف هذا النزيف الموجع من ذنوب الخلوات.

قال الله تعالى في الحديث القدسي : “إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقربتُ إليه ذراعًا، وإذا تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هَرْوَلَة“، القضية ليست مقايضات خطوة بخطوة، القضية أن الله سبحانه كرمه وفضله أوسع من خطانا وقرباتنا.

أعظمهم أجرًا

أعظمهم اجتهادًا

إنَّ الأيام الفضيلة القادمة أيام اجتهاد محض؛ فما استطعت أن تستنفذ فيها وسعك في طاعة الله – عز وجل-  فافعل.

أيضًا مما يُسن في أيام العشر:

التكبير المطلق

فيكون المرء جلّ وقته ذاكرًا لله تعالى رافعًا صوته بالتكبير، وأما التكبير المقيّد فيكون من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؛ وهو التكبير الذي يسن بعد الصلوات فقط.

ومن الاجتهادات أن يجعل الإنسان له إرثًا بعد موته؛ وإرثه الحقُّ هو عمله الصالح، جاء في الحديث: “من علّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا أو غرس نخلًا أو بنى مسجدًا أو ورَّث مصحفًا“ كلها تتكلم عن أعمال صالحة لا تنتهي بموت الإنسان، وهو ما يُسمّى بالنفع المتعدي، فلا يجعل المرء عمله قاصرًا على أيام دنياه؛ بل يحاول أن يكون نفعه متعديًا باقيًا حتى بعد موته. وفي ختام حديثنا عن هذه العشر المباركات، أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يوفّق لدخول هذه التجارة الرابحة، ويغنم الفوز برضى الله عز وجل. دوننا ميدان السِّباق فمن سبق فيه فاز، ومن تأخر خسر كثيرًا. فنسأل الله ألا يجعلنا من المتأخرين.

والحمد لله رب العالمين. والصلاة السلام على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين.


* تنويه: مادة المحاضرة جُمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.